الفتك بالصناعة العراقيَّة

علاء هادي الحطاب 
عُرفتِ العديد من الدول الصغيرة والحديثة بصناعات محددة وبسيطة، لكنها اصبحت ” أُساً” لوجودها بين الدول وسببا لتطورها ونموها بشكل سريع ومتقدم، ولهذا تحافظ على وجود هذه الصناعة لأنها تدرك ان وجودها مرهون بهذا المنتج او ذاك، فالصناعة لأي بلد نفط لا ينضب، وشريان حياة لا ينقطع، وبحر لا يجف، ان استطاعت الدولة الحفاظ عليه باستمرار وتطويره وتحديثه اولا بأول مع هذا التطور التكنولوجي الكبير والمتسارع، بل ان الدول المتقدمة باتت تتفاخر بصناعتها قبل تأريخها، لسبب بسيط ان بقاءها مرهون بما تقدمه لا بما كانت عليه، حضارات كثيرة حول العالم اندثرت واصبحت حروفا في كتب ومؤلفات بينما الصناعة هي من تخلق حياة متجددة تخدم الانسانية وتمدها بأسباب الحياة السهلة والكريمة، فضلا عن ان الصناعة اساس اي تنمية شاملة لأي بلد. 
العراق واحد من البلدان التي حباها الله بموارد اولية كثيرة في مجالات شتى كالمعادن والزراعة وغيرها ولا تكاد تخلو محافظة او حتى مدينة من خاصية معينة لصناعة متميزة عن غيرها، فلا توجد تمور كما في العراق، كم توجد معادن كالفوسفات والكبريت وغيرها تخلو منها منطقتنا، وهكذا في صناعات اخرى، واي بلد يريد ان يحافظ على استقراره الداخلي وسيادته يبحث عن ممكنات ” امنه الغذائي” قبل كل شيء واكتفائه الذاتي مما يأكل ويشرب ويلبس على اقل تقدير، كي لا يصبح اسيرا لدول اخرى في تأمين ذلك، فضلا عما يسببه ذلك من بطالة داخل المجتمع تجعل استقراره امرا ليس باليسير. 
الصناعة في العراق اليوم تتعرض لمؤامرة كبيرة، نعم مؤامرة ولا غير ذلك، ففي زمن وفرة بعض المنتجات الزراعية – عقلا – ان يتم استثمار هذه الوفرة التي تغطي حاجة الناس الى زمن شحتها من خلال انشاء مصانع متخصصة بذلك، وهذا ابسط ما تفكر به اي دولة تسعى الى الاستقرار الداخلي، فضلا عن التصدير، حتى اليوم عجزنا ان نوجد مصانع غذائية لمنتوجات تتوفر وفرة في المحاصيل الزراعية الداخلة فيها، وبالمقابل ننفق ملايين الدولارات لاستيرادها في زمن شحتها، فهل من المعقول ان يعجز بلد مثل العراق عن انشاء مصانع تخص الاغذية مع وفرة المال لدى كبار التجار والمستثمرين؟ ولماذا وأدت كل المحاولات بخصوص ذلك؟ ولماذا نبقى نستورد ابسط حاجياتنا اليومية من دول الجوار؟ فالمال متوفر والمادة الاولية متوفرة والطلب عليها متوفر ايضا، كما ان الربح من خلالها متوفر بشكل كبير. 
ما نحتاجه فقط سياسات عامة صحيحة توظف كل ما تقدم، لتنتقل بالبلد من مستهلك كبير لكل شيء الى بلد مكتفٍ ذاتيا على الاقل في عدد من مفردات استهلاكه، فالشعوب المستهلكة تُعد عالميا شعوبا غير حضارية لانها غير منتجة، ولدينا تجارب قليلة ومتواضعة ابان السنوات الماضية في بعض الصناعات العراقية، التي حققت ارباحا جيدة ولاقت ترحيبا طيبا من المستهلك وباتت تنفد من السوق حال نزولها، كصناعة السمنت المحلي وألبان ابو غريب وبيض المائدة وزيوت الطعام وغيرها، لكنها صناعات تقاتل لاجل ان تبقى ولا يقتلها المنتوج المستورد رغم كفاءتها ونوعيتها المتفوقة عليه، فضلا عن صناعات كبيرة ممكن ان تحقق ارباحا لاصحابها سواء كانت شركات حكومية او قطاعا مختلطا او خاصا، تسهم في تنمية البلاد وتشغيل العاطلين وتوجد ممكنات الاستقرار الداخلي. 
يا صناع القرار ما نحتاجه فقط هو رسم سياسات عامة وتنفيذها بشكل يجعل مصلحة البلد اولا واخيرا، لا مصلحة المستورد حزبا كان ام فردا، فمع هذا الكساد الاقتصادي العالمي وهبوط اسعار النفط وشح توفر المال لسد احتياجاتنا لا سبيل لنا الا ان ننمي صناعتنا بالحد الذي يكفل في المرحلة الاولى اكتفاءنا الذاتي منها ومن ثم الشروع بمراحل اخرى كالتصدير والتنافس فيها.